رقم الفتوى: 87734
عنوان الفتوى: حقوق موتى الكورونا على جماعة المسلمين
قسم:
مفتي: اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
تاريخ الفتوى: 03/23/2020

السؤال

ما هي حقوق موتى الكورونا على جماعة المسلمين؟


الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن غسل الميت من فروض الكفايات، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، ولانعقاد إجماع المسلمين عليه، فلا ينبغي أن توارى سوأة مؤمن في قبره بدون غسل، ويأثم أهل محلته جميعا إن تقاعسوا عن القيام بهذا الواجب، شأنه شأن سائر الفروض الكفائية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم بها أحد منهم أثموا جميعا.

وغسل الموتى كغسل الأحياء، يجزئ فيه تعميم الجسد بالماء، ولا يلزم الدلك في الغسل أو الوضوء عند جماهير أهل العلم، عدا المالكية، والموتى والأحياء في ذلك سواء، ولا مدخل لغير المسلم في الغسل لأنها عبادة فلا تصح إلا من المسلم، اللهم إلا إذا اقتصر دوره على الإشراف على الجانب المهني الوقائي والتدريب عليه ومراقبة تنفيذه عند الاقتضاء. وعلى من احتسب لذلك االفرض الكفائي من المسلمين التدرب على أخذ الاحترازات وتطبيق توجيهات المرجعيات الطبية بحذافيرها.

وهذه أحكام السعة والاختيار، لا ينبغي العدول عن ذلك مع القدرة والتمكن.

ويجزئ في الغسل صب الماء، وفي حالة الأمراض المعدية، قد يصب الماء من فوق الثياب (غير المانعة للماء)، فكما أذن بعض الفقهاء للمحارم في صب الماء من فوق الثياب على من ماتت من قريباتهم وليس هناك من النساء من يتولى غسلها، فيصب أيضًا على من مات بمرض من الأمراض المعدية إذا خشي انتقال العدوى منهم إلى غيرهم، ومع غمر الجسد بالماء يصل ولو من فوق الثياب (غير المانعة للماء) إلى البدن لا محالة.

فإذا تعذر الغسل لعدم الماء، أو لعدم القدرة على استعماله فإنه يصار إلى الطهارة البديلة، وهي التيمم، وييمم الموتى كما يتيمم الأحياء بضربة واحدة بالتراب (أو على حجر عند تعذره) يمس به وجه الميت وكفاه، ولا بأس أن يكون ذلك بحائل من القفازات الواقية التي يرتديها المغسل. فإن منع التيمم أو ترجح ضرره، سقط الواجب من ذلك، ويصلى على الميت ويدفن.

والأصل في موتى الكورونا، فيما بلغنا من رأي الخبراء إلى وقت كتابة هذه الفتوى، أنه ليس ثم ضرر محقق ولا راجح بغسلهم إذا اتخذت التدابير الاحترازية الوقائية كما توصي بها المرجعيات الطبية، فكما يتعامل مع مرضى الكورونا الأحياء مع التحوط والاحتراز يتعامل مع الموتى منهم مع التحوط والاحتراز، لمظنة العدوى بما قد يخرج من بعضهم من سوائل وإفرازات، وإن كان انتقالها من الأحياء أظهر. وعليه، فإذا لم يأت المنع من الجهات المعنية، ولم يرجح المختصون الضرر، فينبغي ألا يقصر في إقامة فريضة غسل الموتى في هذه النازلة وغيرها، ولو بالاكتفاء بصب الماء صبا وعدم مباشرة المغسل لجسد الميت، ولو بحائل، فإن حق ضحايا هذه النازلة ومثيلاتها على جماعة المسلمين تغسيل موتاهم والقيام بحقوقهم قبل مواراة سوءاتهم في الثرى. فإن جاء المنع أو رجح المختصون الضرر، انتقلنا إلى التيمم، فإن منع هذا أيضًا، سقط.

فإن سمح بالتغسيل مع إلزام المغسل بالحجر لمدة أسبوعين، كما وصلتنا بذلك بعض الأخبار، ولم يحتسب لذلك أحد الأقارب أو غيرهم، فهذه مشقة يسقط معها واجب الغسل.

ورجاء ثواب الشهداء لمن مات في هذه الأوبئة من المسلمين لا يعني استثناءه من الغسل والتكفين كشهيد المعركة، فإن هذه الأحكام خاصة بشهيد المعركة فحسب.

والتكفين حق آخر للميت، فإن تعذر على الصفة المسنونة، كفن في ثياب المشفى الذي مات فيه، وإلم يسمح بفتح الكيس الذي أدرج فيه بالمشفى، اكتفينا به في ستر العورة، وصلي عليه ودفن.

وصلاة الجنازة من حقوق موتانا علينا، وهي فرض كفائي إذا قام به واحد، سقطت عن الباقين، فإن تيسر أكثر صلوا جماعة متباعدين، ولا يضرهم، ومن شاء صلاها بعد عند القبر، ومن شاء صلى صلاة الغائب، فكل هذا يجوز، والرب سميع عليم كريم جواد.

ويجوز البث المباشر للصلاة والدفن وما لا يكون فيه كشف لعورة الميت أو انتقاص لحرمته، إن أراد ذلك أهله، وقد يتيسر من هذه التقنيات ما يحفظ الخصوصية، فيكون البث للأهل والمقربين دون غيرهم، تسكينًا لقلوبهم، ودفعًا لغصة عدم حضورهم.

وغني عن الذكر أن نشير إلى أن حرق الجثث ميراث وثني، لا وجود له في المواريث الإسلامية، ولا مدخل للرسالات السماوية في شيء من ذلك.

هذه حقوق موتى المسلمين علينا، وإنما تسقط للعذر، فإن سقطت، فلا يضرهم ذلك شيئَا وهم مقبلون على العدل الكريم أرحم الراحمين.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والله تعالى أعلى وأعلم.