رقم الفتوى: 87751
عنوان الفتوى: شراء كميات كبيرة من الطعام ومواد النظافة واللوازم الطبية
قسم: الأطعمة
مفتي: اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
تاريخ الفتوى: 04/10/2020

السؤال

هل يجوز أن نشتري كميات كبيرة من الطعام ومواد النظافة واللوازم الطبية تكفي الأسرة لمدة شهر أو أكثر نظرا لوجود حظر تجول في أكثر الولايات مدته أسبوعان ويحتمل تجديده لمدد لا نعلمها ، علما بأن شراء كميات تزيد عن الاحتياج اليومي يؤدي إلى نقص المعروض منها في الأسواق بل نفاده في كثير من المتاجر وعدم تمكن الآخرين من شراء احتياجاتهم ، علما بأن بعض المتاجر تحدد حدا أقصى للكمية المسموحة فيذهب بعض الناس إلى عدة متاجر ليحصل على الحد الأقصى المسموح من كل منها لأجل أن يدخر لأسرته ما يتوقع أنه يكفيهم خلال هذه الأزمة


الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلا حرج أن يشتري المرء من الطيبات ما شاء وبالقدر الذي يشاء شريطة ألا يضر بالآخرين، وقد بوب البخاري في صحيحه فقال (باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال) ثم ساق حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم) وهذا في أوقات السعة وتوافر السلع في الأسواق، أما في أوقات الأزمات وعموم البلوى فينبغي الانكفاف عما يمثل التوسع في شرائه تضييقا على الناس، لدخوله حينئذ في باب الاحتكار المذموم الذي ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحتكر إلا خاطئ)

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : في هذا الحديث ( حديث ادخار النبي صلى الله عليه وسلم قوت سنة ) جواز ادخار قوت سنة وجواز الادخار لليالي وأن هذا لا يقدح في التوكل وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يستغله الإنسان من قريته كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا أراد أن يشتري من السوق، ويدخره لقوت عياله فإن كان في وقت ضيق الطعام لم يجز بل يشتري ما لا يضيق على المسلمين قوت أیام أو شهر وإن كان في وقت سعة اشتری قوت سنة وأكثر هكذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء وعن قوم إباحته مطلقا (ج١٢-ص٧٠)،

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واختلف في جواز ادخار القوت لمن يشتريه من السوق، قال عياض : أجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث ، ولا حجة فيه لأنه إنما كان من مغل الأرض ، ومنعه قوم إلا إن كان لا يضر بالغير ، وهو متجه إرفاقا بالناس ، ثم محل هذا الاختلاف إذا لم يكن في حال الضيق ، وإلا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلا .(ج١٥-ص٢١٤)

وقصر الاحتكار على الطعام وإن قال به بعض اهل العلم فإنه موضع نظر، بل هو في كل ما يضر بالناس حبسه والتوسع في اقتنائه بما يزيد عن الحاجة الراهنة، فقد اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار: فمنهم من يقول هو في القوت خاصة. ومنهم من يرى أنه يجرى في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد. وهذا القول هو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث .

قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262 ):وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره ، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة ، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى.

وقال الرملي الشافعي في حاشيته على أسنى المطالب (2/39): "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى.

وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار ، وهي منع الإضرار بالناس،

وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين، حيث جاء في فتواهم برقم (6374): "لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين. أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم" انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (13/184).

ومعيار التوسع المضر في الشراء والادخار معيار عرفي وهو ما تقضي بها الجهات الرسمية المعنية بتوفير السلع والإشراف على تنظيم توزيعها وتداولها بين الناس، فينبغي التقيد بما تسنه في ذلك من لوائح وتراتيب إدارية تنظم تدفق السلع، وتمنعها أن تكون دولة بين قلة من المحتكرين أو القادرين على التوسع في الشراء،

فإن لم تسن الجهات الرسمية لوائح وتدابير بهذا الصدد فعلى المسلم مراعاة العرف الحميد والاقتصار على شراء الكمية التي لا يكون بها ملوما أو مذموما في العرف العام لمجتمعه في تلك الظروف

والله تعالى أعلى وأعلم