رقم الفتوى: 87760
عنوان الفتوى: أحكام تتعلق بعيد الأضحى و العشر الأوائل من ذي الحجة و أيام التشريق خلال أزمة كورونا
قسم:
مفتي: اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
تاريخ الفتوى: 07/23/2020

السؤال
أحكام تتعلق بعيد الأضحى و العشر الأوائل من ذي الحجة و أيام التشريق خلال أزمة كورونا

الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


 فيطيب للجنة الفتوى بمجمع فقهاء الشريعة أن تهنىء المسلمين بدخول شهر ذي الحجة و مقدم عيد الأضحى المبارك و نسأل الله أن يتقبل منا و منكم و سائر المسلمين صالح أعمالهم و أن يحفظ حجاج بيت الله الحرام و ييسر حجهم.


فهذه طائفة من الأحكام التي نحب التنبيه عليها و التذكير بها في ظل انتشار فيروس الكورونا COVID 19  و لكون الولايات و المدن تتفاوت في مدى انتشار العدوى بين أفراد المجتمع فلا بد من مراعاة الحال في تطبيق هذه الأحكام.


في الولايات التي يُؤمر الناس فيها و ينصحون بعدم الخلطة أو الخروج إلا للضرورة فيقتصر في صلاة العيد على الحد الأدنى من الإمام و رجلين أو ثلاثة مع أخذ الاحتياطات اللازمة من التباعد و لبس الكمامة ، و ذلك لأن صلاة العيد إحدى شعائر الاسلام الظاهرة، وقد تراوحت أقوال أهل العلم في حكمها بين الوجوب الكفائي، أو العيني، أو كونها سنة مؤكدة.


ولما كان الميسور لا يسقط بالمعسور فمهما أمكن إقامتها ولو في إطار ضيق محدود فينبغي ألا يفرط في ذلك.


فكما أن الجمعة تقام في إطار النصاب المسموح به ولو بإدارة المسجد فحسب، فكذلك القول في صلاة العيد.


والأمر في صلاة العيد  من حيث أدائها في البيت لمن فاتته مع الجماعة أوسع


فالخطبة شرط من شروط صحة صلاة الجمعة (و إن كان من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة) وهي نافلة في العيدين، لما روي عن عبد الله بن السائب قال: "شهدت العيد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما صلى قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يرجع فليرجع". فليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحة صلاة العيد.


وبينما الأصل أن تؤدي صلاة الجمعة في المسجد فإن الأصل في صلاة العيد أن تؤدى في الخلاء خارج المسجد، و لهذا كان جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة على جواز أدائها في البيت لمن فاتته مع الجماعة خلافا للحنفية. و دليل الجمهور ما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما .


وعلى هذا فلا حرج في أداء صلاة العيد في البيت أفذاذا أو جماعة مع أهل بيته لمن عجز عن إقامتها مع الجماعة لعارض. ويجوز أن يكون قضاؤها جماعة أو منفردا، على صفتها جهرا وبتكبيرات زوائد، أو ركعتين سرا بدون تكبيرات زوائد، مثل ركعتي الضحى، أو حتى أربع ركعات سرا مثل الظهر، فهذه اختيارات كلها سائغة وصحيحة، وللسلف في ذلك أقوال مأثورة.


و لا يجوز الاقتداء بالإمام عبر وسائل النقل و التواصل الحديثة كالإنترنت و التلفاز و نحو ذلك.


ولا حرج بعد صلاة العيد في البيت الاستماع لخطبة  العيد منقولة من المسجد باعتبارها موعظة عامة، أو الاجتماع لسماع موعظة عامة و لو مسجلة و الدعاء بعدها بالخير.


من سيصلي في بيته يسن له أن يفطر بعد الصلاة لا قبلها ، و يأتي بسنن العيد من الاغتسال و التطيب و التزين و نحو ذلك.


أما في الولايات و المدن التي يسمح فيها بالتجمع و يكون الوباء تحت السيطرة فيجتمع الناس مع أخذ الاحتياطات الطبية و مشاورة أهل الخبرة بما يضمن سلامة المصلين و المجتمع مع مراعاة إقامة الشعيرة و إحياء السنة ، و على المصلين و غيرهم ترك المصافحة و المعانقة في ظل هذه الجائحة خوفاً من نشر العدوى.


الصلاة بجوار السيارات في ساحات الانتظار مع التباعد جائز إذا كانت هذه الصفة التي يمكن بها جمع الناس للصلاة ، و أما الصلاة داخل السيارة فنرى المنع من ذلك حذر تغيير هيئة الفريضة، وأن يتحول هذا إلى أصل في المستقبل إذا انقضى عارض الضرورة، مع وجود بدائل الصلاة في مجموعات صغيرة، أو الصلاة في البيوت ، أو بجانب السيارة كما تقدم.


ذبح الأضاحي سنة و ليس بواجب و عليه فإن تركه المسلم لضائقة مالية فلا حرج عليه .


لا يجزىء إخراج النقد بديلا عن الأضحية خوفاً من العدوى حين مخالطة الناس وقت الذبح و قياساً على إخراج زكاة الفطر نقداً ! و ذلك لأن الأضحية عبادة لها متعلقان الأول متعلق بالنحر الذي هو في ذاته عبادة و قربة و الثاني التصدق و الإحسان للفقير بخلاف زكاة الفطر. و وجود الجائحة ليس بمسوغ شرعي لاستبدال الأضحية بالمال بل هذا من الإحداث في الدين و لا نعلم له سلفاً من أقوال الأئمة المعتبرين ، و من فعل ذلك فقد أخرج صدقة عامة و لا تكون بديلاً عن الأضحية ،


لكن يجوز التوكيل لذبح الأضاحي و أن تذبح في غير بلد المضحي ، و إن كان الأصل أن تذبح في بلد المضحي ، و يشرع له شهودها و الأكل منها لكن في ظل هذه الجائحة إن لم يتيسر أو كان فيه حرج أو مظنة التعرض للخطر فلا حرج عليه.


و في الختام نذكر عموم المسلمين بضرورة الإفادة من مواسم الخيرات و لا سيما و قد أظلتهم أفضل أيام الدنيا كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ.... الحديث" [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني] و أعظم هذه العشر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر)[رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني].


قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).


و لما اجتمع فضل الزمان عظمت الأجور و تضاعف الثواب فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].


وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكرت له الأعمال فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشرـ قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره. فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه) [رواه أحمد وحسن إسناده الألباني].


فالواجب على المسلمين الحرص على الصلاة و صيام يوم عرفة وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].


و كذلك الإكثار من ذكر الله من قراءة القرآن و التكبير و التهليل و التحميد و التسبيح.


 فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد]. وقال البخاري "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها".


 و قال ميمون بن مهران -من التابعين- "أدركت الناس و إنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها" .


و يشرع من بداية العشر إلى نهاية أيام التشريق و هي ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى  على الصحيح من قولي العلماء.


 و يُتأكد التكبير بعد الصلوات المكتوبة و لو في البيت و هو ما يسميه بعض العلماء بالتكبير المقيد بخلاف المطلق من فجر يوم عرفه لغير الحاج و ينتهي بعصر اليوم الثالث من أيام التشريق.


وأما صيغ التكبير: فالأمر فيها واسع ، و مما ينبغي أن يحرص عليه المسلمون في هذا الزمان خاصة تعليم أولادهم هذه السنة التي هي من شعائر الدين حتى لا تموت بينهم في الأجيال القادمة.


 قال ابن القيم في الهدي: "ويُذكر عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يومَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق فيقول: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، والله أكْبَرُ الله أكبر ولِلَّهِ الحَمْدُ، وهذا وإن كان لا يصح إسناده، فالعمل عليه، ولفظه هكذا يشفع التكبير، وأما كونه ثلاثاً، فإنما رُوى عن جابر وابن عباس مِن فعلهما ثلاثاً فقط، وكِلاهما حسن."


و قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبروا الله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا.


ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وهو قول الشافعي ـ وزاد ولله الحمد.


وقيل: يكبر ثلاثا ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلخ.


وقيل: يكبر ثنتين بعدهما: لا إله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، جاء ذلك عن عمر وعن ابن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق."


ونقل النووي في المجموع عن الشافعي أنه قال في المختصر: "وما زاد من ذكر الله فحسن". و إن كان الاقتصار على ما أُثر أولى و لكن في الأمر سعة و لله الحمد.


والله تعالى أعلى وأعلم و الموفق للصواب و صلى الله على محمد و آله و سلم.