- AR (العربية) -
- EN (English)
رقم الفتوى: | 1647 |
عنوان الفتوى: | ما هى آليات إخضاع الطغاة من الحكام للمساءلة؟ |
قسم: | السياسة الشرعية |
مفتي: | دكتور حاتم الحاج |
تاريخ الفتوى: | 02/06/2006 |
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. و بعد،
الآلية هي التحاكم إلى القانون، فإن الحاكم لا يخرج عليه الناس إذا ضرب أبشارهم و أخذ أموالهم لأن في الخروج بالسيف من الفساد و الفتنة ما يأتي على البلاد و العباد بالهلاك و الخراب و يفتح الباب لتسلط الأعداء من خارج الأمة عليها و على مقدراتها و هذا هو المنهي عنه. و ليس منهياً عن الشكوى و التظلم للقضاء الذي ينبغي أن يكون فوق الجميع بما فيهم الحاكم. هذه هي الآلية التي يعمل بها الناس في الغرب و هي التي أسس لها الإسلام. و قصة شريح القاضي الذي حكم لليهودي ضد أمير المؤمنين علي - لكون اليهودي كان حائزا للدرع المتنازع عليه - خير شاهد على ما أقول و على مبدأ فصل السلطات المعمول بمثله في البلاد التي تذكرها. و إذا تجاوز الخليفة القضاء و عاث في الأرض فساداً و جب على أهل الحل و العقد – عند القدرة – عزله. و ليس الإسلام مسؤولا عما حدث من استبداد في تاريخ المسلمين لأنه ما دعا إلا إلى العدل و الشورى. فلا يلام على هذا كما لا يلام على تهاون المسلمين في سائر الطاعات و مقارفتهم لسائر المعاصي.
و الخليفة نائب عن الأُمة في الحكم لا ملكاً. و الأمة تختاره كما حصل في عهد الراشدين. و هي تحاسبه و تأخذ على يده: قال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم" وقال: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وقال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله."
و الخليفة لا يملك التشريع للأمة، لأن التشريع حق الله وحده، قال تعالى: " إن الحكم إلا لله" و الخليفة محكوم بذلك الشرع كسائر الرعية. و الأمة لا تطيعه إلا في معروف، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وقال أبو بكر رضي الله عنه حين بويع بالخلافة: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". و لا يكون العصيان مسلحاً ما لم يظهر الحاكم الكفر البواح فعندها فلأهل الحل و العقد أن ينابذوه – مع حصول القدرة على قتاله – و إلا فإنهم يعدون الأمة لذلك حتى تحصل القدرة. عن عبادة بن الصامت قال: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" وقال صلى الله عليه وسلم: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا"
و الخليفة في حكمه يقيم الشورى و قد نزل رسول الله على رأي أكثر أصحابه في الخروج إلى أحد و في حصار الطائف و استشارهم في بدر و نزل على قول الحباب في اختيار مكان للجيش ببدر و على قول سعدي المدينة في عدم إعطاء غطفان من ثمار المدينة و قد كان رأى ذلك.
و من الأمثلة المشرفة للحكم في الإسلام ما يلي: أخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق، فقال عمر: أين تريد؟ قال: إلى السوق، قال: تصنع ماذا ؟ وقد وليت أمر المسلمين، قال: فمن أين أطعم عيالي ؟ فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخلقْت شيئاً رددته وأخذت غيره، ففرضا له كل يوم نصف شاة وما كساه في الرأس والبطن.
إن الأمثلة غير هذا كثيرة لا يتسع المقام لها، فهذا هو الإسلام و هؤلاء الأكارم هم أولى الناس به، و لكن تقصيري و تقصيرك و أكثر المسلمين قد أوصلنا إلى ما نحن فيه. أفمن العدل إذاً أن نلوم خزينا و هواننا على الإسلام؟
اللهم ردنا و المسلمين إلى دينك رداً جميلاً.
و الله تعالى أعلم