رقم الفتوى: 76234
عنوان الفتوى: بيان حول الحسابات الفلكية واختلاف المطالع
قسم: الصيام
مفتي: مجمع فقهاء الشريعة
تاريخ الفتوى: 08/26/2008

السؤال
ما هو رأي المجمع في منهجية اثبات الأهلة؟

الإجابة
  • يهنئ كل من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا (AMJA) واتحاد الأئمة بأمريكا الشمالية(NAIF) الجاليات المسلمة المقيمة في الولايات المتحدة بمناسبة اقتراب مقدم شهر رمضان المبارك، ويود أن يذكر بجملة من الحقائق بمناسبة ما أثير حول الدعوة إلى اعتماد الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر رمضان وغيره من الشهور لتكون بديلا من ترائي الهلال الذي درجت عليه الأمة عبر القرون  :
  • ·         أن الرؤية الشرعية البصرية هي الأصل في ثبوت الأهلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : في الحديث الذي رواه عنه تسعة من أصحابه (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ] ولقوله صلى الله عليه وسلم [ لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ] فعلق وجوب الصوم على رؤية الهلال لا على مجرد وجوده، فعلم أن رؤية الهلال مقصودة للشارع في هذا الباب، بخلاف المواقيت في باب الصلاة، فقد علق الوجوب على وجودها لا على مشاهدتها، فقد أمر بالصلاة لدلوك الشمس أو لغياب الشفق أو لطلوع الفجر، ولم يعلقه على رؤية هذه المواقيت أو مشاهدتها، وبهذا يظهر الفرق بين الصلاة والصيام، ولانعقاد إجماع السواد الأعظم من علماء الأمة على ذلك عبر القرون.
  • أن من قال من أهل العلم باعتماد الحساب في إثبات دخول الشهر اعتمادا على ما تأوله من قوله صلى الله عليه وسلم [ فإن غم عليكم فاقدروا له ]  فقد قال بذلك في حالة الإغمام وفي حق الحاسب وحده، ولم يخالف في تعديته إلى غيره إلا شذوذ من أهل العلم، أما القول به في حالة الصحو،  وتعميمه على الأمة كلها وإلزامها به  ليكون بديلا من الرؤية البصرية فهو قول محدث لم يسطر _  فيما نعلم - في كتاب من كتب المسلمين من قبل!
  • وإذا كانت الرؤية الشرعية البصرية هي الأصل في هذا الباب، فإن مناط ذلك ما لم تتمكن منها التهمة القوية، بأن تخالف قطعيا من العلم اتفق أهل التخصص على كونه من الحقائق القطعية التي لا تتطاول إليها ريبة، مع ملاحظة كثرة المجازفات في دعوى القطعية في هذا المجال!
  • أن تعليل الدعوة إلى اعتماد الحسابات الفلكية وحدها وتجاوز الرؤية الشرعية البصرية في إثبات الأهلة بأن الرؤية ظنية والحساب قطعي فهو موضع نظر، لأن القطعي في الحساب إنما هو ميقات مولد الهلال، أما إمكانية رؤيته بعد ولادته فالحاسبون فيها مذاهب شتى، والشريعة لم تربط الصوم بميلاد الهلال بل برؤيته! فعاد الأمر إلى الجدل وتفاوت الاجتهادات مرة أخرى!
  • أما تعليل هذه الدعوة بالرغبة في اجتماع كلمة الأمة في العيدين فهو موضع نظر كذلك ، بل هو غلط بين؛ لأنه ليس من المعهود في سنن الاجتماع أن تجتمع الأمة على أمر يعتقد السواد الأعظم من المسلمين بدعيته، وخروجه على ما جرى عليه العمل في خير القرون، ولا يزال العمل على خلافه في معظم بلاد العالم  الإسلامي.
  • أن هذا الأمر منقوض بما انعقد عليه إجماع السواد الأعظم من الأمة بالنسبة لعيد الأضحى، فالناس في هذا العيد تبع للحجيج لا محالة، فليس للأمة إلا يوم عرفة واحد وعيد أضحى واحد، فإذا انتهت الحسابات الفلكية إلى خلاف ذلك، فإما أن يخرق الإجماع بمخالفة الحجيج، أو يخرق القرار الخاص باعتماد الحسابات الفلكية، أو التناقض الذي لا مهرب منه.
  • أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فإذا ثبتت رؤية الهلال في دولة إسلامي ثبوتا شرعيا لدى جهاتها المختصة انتفعت بها الجاليات المسلمة المقيمة خارج ديار الإسلام، ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار، وذلك للاعتبارات الآتية:
  • أن هذا هو رأي جمهور أهل العلم، وأرجح ما ورد في هذه القضية من الاجتهادات.
  • زوال الاعتبارات التي بنى عليها القائلون باعتبار اختلاف المطالع موقفهم، فإن اليسر والتوسعة الذي كان وراء ترجيح هذا القول لم يعد له مفهوم في ظل تطور وسائل التقنية في واقعنا المعاصر، وتحول العالم كله إلى ما يشبه القرية الواحدة، وانتقال الخبر بين أرجاء المعمورة كلمح بالبصر!
  • أن هذا أقرب لمقصود الشارع من الائتلاف واجتماع الكلمة، وخطوة على طريق وحدة الأمة وجمع كلمتها.
  • أنه لا يثير حساسية إقليمية، فأيما بلد إسلامي أعلن الرؤية فإن الجاليات الإسلامية تبع له، تعتمد قوله وتعمل به.
  • رفع الحرج الذي يسببه اعتبار اختلاف المطالع عندما تتعارض الرؤية في الغرب مع رؤية أهل مكة في عيد الأضحى، حيث يكون أصحاب هذا الاجتهاد بين أمرين: إما مخالفة الحجيج وفيه من مخالفة الإجماع العملي، ومصادمة الشعور الإسلامي، ما فيه، وإما موافقة الحجيج مع ما يعنيه ذلك من التناقض مع ما يرجحونه من أصول فقهية.
  • هذا ولم يأخذ المجمع بالاجتهاد القائل باعتبار اختلاف المطالع لما يلي:
  • كونه مرجوحا من الناحية الفقهية فإن جماهير أهل العلم على عدم اعتبار اختلاف المطالع.
  • عسر الاجتماع على جهة بعينها في الظروف الراهنة في الغرب عامة أو داخل الولايات المتحدة خاصة نظرا لتباين الاجتهادات الفقهية والدعوية، وتدخل الاعتبارات الحزبية والإقليمية
  • ما يصيب الحس الإسلامي من حرج بالغ إذا لم تتوافق رؤية الهلال في ذي الحجة مع الرؤية في بلاد الحجاز، فقد انعقد ما يشبه الإجماع العملي أن الناس في هذا العيد تبع لأهل مكة، ولهذا فإن كثيرا من الحاسبين والآخذين باعتبار اختلاف المطالع يعتمدون رؤية بلاد الحرمين في عيد الأضحى مع ما قد يبدوا في هذا الموقف من تعارض مع أصولهم وترجيحاتهم.
  • هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد  وعلى آله وصحبه وسلم.