رقم الفتوى: 77223
عنوان الفتوى: هجرة
قسم: متنوعات
مفتي: د.صلاح الصاوي
تاريخ الفتوى: 12/23/2008

السؤال

هل الحصول علي الجنسية الأمريكية حلال أو حرام؟


الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه اما بعد فإن التجنس في الأصل عقد بين الدولة وبين المتجنس، يقبل بمقتضاه شرائع هذه الدولة ونظمها، وسائر ما تقرره من قوانين ملزمة، وينتمي بمقتضاه إلى جماعتها، فيصبح سلما لأوليائها، وحربا على أعدائها، وقد يحتفظ مع ذلك بجنسيته الأصلية، أو يتنازل عنها، والتجنس منه ما يكون اختياريا يسعى إليه المتجنس بنفسه، ويكدح في سبيل الحصول عليه، وقد يبذل في سبيله الأموال والأوقات، ومنه ما يكون اضطراريا لا بد للإنسان في كسبه أو دفعه، كالجنسية التي تكتسب بحكم الميلاد، أو الجنسية التي تفرض فرضا في أعقاب الاحتلال، كما حدث مع الجمهوريات الإسلامية التي أجبرت على الاندماج في الاتحاد السوفيتي، والدخول تحت سلطانه الغاشم، أو من بقي من المسلمين في الأندلس بعد جلاء المسلمين عنها، وعجز عن الهجرة منها.. إلخ، ولا شك أن ما كان من ذلك عن رضا واختيار، يختلف حكمه عما كان منه عن ضرورة واقتهار.

- والتجنس عندما يكون اضطراريا فإنه يدخل في باب الإكراه، ويناقش حكمه في ضوء الأحكام المقررة للمكره في الشريعة، والأصل في ذلك قول الله عز وجل:

﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾([1]).

وهؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية الكريمة كانوا صنفين: صنفا ارتد بعد إيمانه، وهم من شرح بالكفر صدرا، كعبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن خطل، وصنفا أكره على الكفر، ولا يزال قلبه مطمئنا بالإيمان، ومنهم عمار بن ياسر، وأبوه وأمه، وهؤلاء عذرهم الله -عز وجل- وقد قال ﷺ لعمار بن ياسر لما نال من النبي ﷺ تحت طائلة الإكراه: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ»([2])، وإذا كان الله -جل وعلا- قد سمح بالكفر به - وهو أصل الشريعة - تحت وطأة الإكراه، ما دام القلب مطمئنا بالإيمان، فقد قاس عليه أهل العلم فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ عليها، ولم يترتب عليه حكم بسببها، لا يستثنى من ذلك إلا الإكراه على القتل، فمن أكره على قتل مسلم بغير حق فليس له أن يستجيب لداعي الإكراه؛ لأن نفسه ليست بأولى بالعصمة من نفس أخيه الذي يحمل على قتله، وفي امتداد هذا الاستثناء إلى الإكراه على الزنا خلاف بين أهل العلم.

- ويبقى على هؤلاء واجب المحافظة على الهوية الإسلامية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وذلك بإقامة شعائر الدين: صلاة، وصياما، وزكاة، وحجا، وإقامة المؤسسات الإسلامية التي تكفل لهم المحافظة على الناشئة من الذوبان والمسخ، كما يتحتم عليهم الاحتراز من الفتنة في الدين، ولا يتأتى ذلك إلا بتقاربهم في المسكن، وإقامة التجمعات السكنية الخاصة بهم حول المساجد والمؤسسات والمراكز الإسلامية، وأن يستجلبوا لها من بلاد الإسلام من يقوم عليها تعليما ورعاية وتعهدا، وأن يبعثوا من شبابهم من يطلب العلم في هذه البلاد، ويرجع إليهم داعيا ومعلما، إلى غير ذلك من الأسباب التي تتيح لهم أن يحافظوا على هويتهم، وأن يوطنوا دعوتهم، وأن يكسبوا وجودهم الإسلامي رسوخا وثباتا واستقرارا.

- أما التجنس الاختياري على النحو الذي سبق تفصيله في حقيقة التجنس فهو بالنسبة لواقعنا المعاصر من المشكل ، وذلك لما يكتنفه من تعارض في المواقف: فهو في ظاهره يتضمن الرضا بحكم الجاهلية، ونبذ التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، كما يتضمن اتخاذ غير المسلمين أولياء من دون المؤمنين، وتحريم ذلك مما علم من دين الإسلام بالضرورة، بل لا يبعد القول بأنه من أعمال الردة عن الإسلام، أو أنه من الذرائع القوية إلى ذلك، ومن ناحية أخرى لا يزال كثير ممن تجنسوا بجنسية هذه البلاد على وفائهم لدينهم وأمتهم، وقد استفادوا من هذا التجنس قوةً وظفوها في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة المؤسسات والمراكز التي توطن الدعوة، وتجعلها قارة بدلا من كونها مارة أو مهاجرة، وتوطئ لها مهادا، وتركز لها لواء في هذه المجتمعات، وعلى أيدي هؤلاء دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا، فضلا عن كون التحاكم إلى القوانين الوضعية هو الأصل في معظم بلاد المسلمين، بحيث لا يجد الناظر كبير فرق بين الأحكام التي تجري على الناس في هذه البلاد، وبين ما يجرى عليهم في بلاد المسلمين!

والذي يقتضيه النظر في النهاية ضرورة التفريق في هذا الباب بين مناطين:

· الحكم الأصلي للتجنس في صورته المعتادة المطلقة.
· وحكمه في ضوء ما احتف به من قرائن وملابسات في واقع الجاليات الإسلامية المقيمة خارج بلاد الإسلام من ناحية، وفي ضوء ما يسود العالم من معاهدات ومواثيق سلام، وما يتبعها من وجود تمثيل سياسي متبادل بين الدول ونحوه في واقعنا المعاصر من ناحية أخرى.

التجنس الاختياري في صورته المطلقة:

أما التجنس الاختياري في صورته الأصلية المطلقة فلا شك أنه من المحرمات القطعية، بل لا يبعد القول - كما سبق - بأنه من أعمال الردة عن الإسلام، أو أنه من الذرائع القوية إلى ذلك، فإن القبول الاختياري المطلق لشرائع الكافرين، والتزام الطاعة لهم بغير تأويل، ولا عارض من إكراه، أو جهالة، يعد نقضا للتوحيد، ومخرجاً عن الملة، هذا مع عدم الإخلال بشرط البلاغ وإقامة الحجة.

وأما التجنس في ضوء ما احتف به من قرائن وملابسات في واقع الجاليات الإسلامية المقيمة خارج بلاد الإسلام، فإنه إذا تجرد عن هذا المضمون السابق (القبول المطلق بشرائع الدولة صاحبة الجنسية ونظمها، وسائر ما تقرره من قوانين ملزمة، والانتماء المطلق إلى جماعتها، بحيث يصبح سلما لأوليائها، وحربا على أعدائها) وأصبح وسيلة ضرورية لترتيب شؤون المقيمين في هذه المجتمعات وتوطين وجودهم، مع المحافظة على ما يقتضيه هذا الوجود من الالتزام بالوفاء بالعهود والمواثيق مع الدول المستضيفة، ودفعت إليه ضرورات ملجئة، أو حاجات ماسة، وبقي صاحبه حفيظا على ولائه وبرائه، مقيما على عهده مع الله ورسوله، فإنه يصبح من موارد الاجتهاد، ولا يبعد القول بمشروعيته في هذا الإطار، والله تعالى أعلى وأعلم.

([1]) النحل: 106.
([2]) رواه الحاكم في مستدركه: 2/389، سنن البيهقي: 8/208.